مهما بلغ الإنسان من الظلم لنفسه

مهما بلغ الإنسان من الظلم لنفسه، إلا أنّ الله تعالى يمدّه برحمته بألطاف وفرص مختلفة لكي يفوق من غفلته وغروره ويمسك بما يمكن أن يربطه بالحقيقة، ليصل معها لما يرفع من نسبة وعيه ويمنحه إدراكًا أكبر عن نفسه ووجوده.
وهناك نقطتان حرجتان في كل منعطف تتصادم فيه الحقيقة بالهوى في قلب الإنسان. فالنقطة الحرجة الأولى هي عندما يلقي العقل صوت الحقيقة على القلب ويريه السمو الذي يليق به كإنسان، ولكن سرعان ما تصنع النقطة الحرجة الثانية نفسها -والتي يتصدرها صوت الهوى- فتهوي بصاحبها لدركات هابطة من الجهل والظلام.
وهناك مساحة زمنية متناهية الصغر بين النقطة الحرجة الأولى الربّانية المصدر، وبين الثانية الشيطانية المصدر. والقدرة على التوقّف في تلك المساحة وقطع طريق الاستحواذ على النقطة الحرجة الشيطانية تصنع التغيير كلّه. فهي تحول تصرّف صاحبها إلى آخر يتناسب مع كرامته الإنسانية وما يريد الله له.
يساعد على ترسيخ الوعي الكوني التدبر في الآية الكريمة: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ، فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ، ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاَءِ يَنطِقُونَ}(الأنبياء/۶۳-۶۵). وسؤال نفسك والطلب منها أن تأتي ببرهانها عندما تتداخل فكرتان متناقضتان: “ما هو دليلي بأنّ ما استنتجت وتبنيت من فكر أو فعل إنّما هو منطلق من مصدر قيمي مبني على الحقيقة وليست شيطاني مبني على الهوى؟”.