إنّ الفتن التي نتعرض لها في حياتنا والتي تؤدي ….

إنّ الفتن التي نتعرض لها في حياتنا والتي تؤدي بنا إلى الهاوية لا تقتصر على الآخرين الذين يفتنوننا بقصد منهم أو دون قصد، بل لا يمكنهم فعل ذلك ما لم نشارك نحن في عملية الافتتان. والآلية الأولى والأقوى التي نقوم بها بذلك هي حديثنا الداخلي. فيجد الإنسان لنفسه متنفسًا في الحديث الداخلي الذي يدور بما يهوى دون رقيب ولا حسيب، ويرى تلك مساحة له خاصة به لا يحتاج معها لأيّ قيود تحكمه، أو حتى أيّ انتباه خاص لفحوى ذلك الحديث. فهو حديث يبدأ ويدور في الذهن وينتهي ويًستبدل من تلقاء نفسه، أو هكذا يظن. ولكن تلك المساحة بالتحديد هي التي تبدأ في تمهيد الطريق ليفتن الإنسان نفسه ويوقع بها. فهو قد يتحدث مع نفسه بما لا يمكنه التحدث به بصوت مرتفع لغلبة هواه على ما يقول أو لمخالفته للقيم التي يتبناها، أو لأنّه بلغ من القبح ما يسبب له إحراجًا. فيعتقد بأنّها مادامت بالداخل فلا بأس ان تكون قبيحة او سيئة، فهي مجرّد كلمات تدور في الذهن لا تؤثر ولا تضر. ولكنّها في الواقع تؤثر وتضر، وتمهد لشطب مقاومة الذهن لما هو قبيح درجة درجة، وتجعله اعتياديًا رويدًا رويدًا، فتتغير القناعات ويتبرمج اللاوعي على تفسير كل شيء بناء على الرغبة والهوى، ليكون الكلام والفعل منبثقًا من ذلك أيضًا. فيحسب أنّه على خير، بينما تزل قدمه في منزلق خطير. فتأمّل كيف تستطيع أن تخلق جمالًا في حديثك مع نفسك لتجعل من نفسك إنسانًا أكثر اتزانًا وانشراحًا، وتعكس ذلك على فعلك وكلامك مع الآخرين أيضًا.

يساعد على ترسيخ الوعي الكوني التدبر في الآية الكريمة: “يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ- الحديد/۱۴”. وسؤال نفسك والطلب منها أن تأتي ببرهانها حين تفاجا نفسك وأنت تتنصت على حديثم الداخلي مرات عديدة في اليوم: “ما الذي أقوله لنفسي الآن، وما هي القيمة التي يُبني عليها أو يكسرها ذلك الحديث؟”.🌺