خانه / مناجات الحکم / المتعالي

المتعالي

المتعالي
كانت البقرة تمشي بهدوء ووقار
حين ضلّت طريقها… ودخلت في واد مليء بالأشجار
رأت السنجاب يركض ويعمل بسرعة
نظرت إليه باستحقار واستخفاف
فخاطبته: أي مخلوق أنت بلا أبّهة ولا وقار؟
تركض وتقرض وليس لك قرار
تدخل في تجويف وتخرج من آخر
نظرتك ضيّقة لا تتعدى حدود الأشجار من حولك
أين أنت منّي؟
أمشي في مساحات خضراء لا يحدّها شيء
أَنظر إلى الأفق وأرى الأمور واضحة كاملة
فلو كان الناس يرون الحياة مثلي… لفهموا وارتقوا

ردّ عليها السنجاب مستغربا: ترين ظاهراً من الأمور بسطحية
لا تعرفين شيئا عن عمق أو تفصيل
ولا عمّا يجري بين الأشجار وداخلها
ولأنك لا تعرفين… فأنت تتوهمين وتصدقين أوهامك
فأنت لا تستطيعين حتى أن ترفعي رأسك وتنظري الى السماء
فلا تفهمين غير ظاهر خدّاع
وتعتقدين أنَّ لديك الصورة كاملة لمغزى الحياة
وتحكمين بناء عليها… وأنت لا تفهمين
فلو رأى الناس الحياة مثلك… لعاشوا في غفلة وغرور

فمهما كانت طريقتنا للنظر للحياة
فالأهم منها هي الطريقة التي ننظر بها لأنفسنا
فإذا تيقّنا أنّ بنا روحاً من المتعالي
وتذكّرنا هذه الروح في كل حين… صلينا ودعونا لنتصل بها
فسنعرف بأننا خُلقنا للآفاق العليا
والدنو لا يتناسب معنا… ولا لما خُلقنا من أجله
فتنبذ قلوبنا كلّ عمل دنيء… وكل صفة تحط منّا

ونمتحن أنفسنا… ونذهب للبحث فيها عميقاً
لنتأكد ممّا فيها… ولا نكتفي بنظرة سطحية عابرة
وحين نبحث… نجمع الدقّة والحركة والنشاط معاً
لنعرف أجوبة نسألها كل يوم… هل عرفنا أنفسنا لنعرف خالقنا؟
هل لا زالت قلوبنا واعية… أم أنَّها تاهت وضلّت الطريق؟
فندخل في أغوار أنفسنا… ونكتشف ما بها ونجمع زاداً
كما يفعل ذلك السنجاب في تجويف الشجرة
فنُخرج الديدان منها… ومعها كل ما لا يليق بها

ونخزّن لأنفسنا زاداً من الصبر والإيمان والمحبة والصفح والتسامح
نتغذى منه في الأيام الصعبة… حين تتعب أرواحنا وتستغيث نفوسنا
لنقي أنفسنا من براثن السقوط في جوع الحرص والطمع
أو الأسر في سجون الخوف والقلق واليأس
ونحفر اسم المتعال في أعيننا
لكي لا تهيم في جمال وعلو زائف… وتنسى حقيقة انتماء روحها
فحينها… ستكسو أنفسنا همّة عالية
وتصبح أخلاقنا بعلو همّتنا
وتتزين ملامحنا بابتسامة محبة الله وخَلقه
وتكون الشمس بانتظارنا كل يوم
لنضيف معها إشراقاً للحياة

همچنین ببینید

هل رأيت صورة في الإعلام أدمت قلبك من قسوة ظلم البشر؟

هل رأيت صورة في الإعلام أدمت قلبك من قسوة ظلم البشر؟ حولها فورًا في ذهنك …

يقول الفيلسوف المعاصر غلامحسين دينانى

يقول الفيلسوف المعاصر غلامحسين دينانى: “مخلوق كالوردة تبقى وردة إلى يوم القيامة، ولا تستطيع أن …

تشكل اللحظات الحازمة المفتاحية مفترق

تشكل اللحظات الحازمة المفتاحية مفترق طرق يكون فيها على الإنسان الاختيار بين الشعور بالأمان وانتخاب …

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *