البَّر

البَّر
كانت تمشي على غير هدى
ومعها ثقل يوم طويل… وسنين أثقل
تسترجع ذكريات
تجمعت كلّها معاً… في سلَّة مليئة بما مضى
ولكنها موجة ذكريات مختلفة… ليست كما دائما
فلم تكن فكرة شاردة… ولا مجرّد وخزة واحدة
بل أسئلة متتالية… حارت في الإجابة عليها

كم قصًّرَت بحق آخرين؟
كم أساءت الظن بهم؟
كم كانت نظرتها سوداوية؟
كم بحثَت عن الأشواك وربَّتها… وتجاهلت عبق الوردة وجمالها؟
كم حملت على ظهرها تأويلات لأحداث… وتفسيرات لكلمات
صوّرت أصحابها وبهم بقع سوداء قبيحة
بعضها صغيرة… شملت جزءًا منهم
وبعضها بقع كبيرة… غطًّت كل شيء بهم
وفي جميعهم… كانت ترى تلك النقاط جزءًا لا يتجزأ منهم

استرجعت المعاني التي نسجتها
والتي أسكنتها في عقلها وقلبها
وبنت لها بيتاً دافئاً مريحاً
لتبقى فيه وقتاً طويلاً… حتى لا تُفكّر بالرحيل
فبعض تلك المعاني كان صغيرًا بحجم رملة… وبعضها أكبر
وبعضها ثقيل كثقل جبل صخري
جذوره عميقة… تلامس صفاء عيون المياه بأعماقها
فتلوثها… وتصيّرها داكنة

سألت نفسها… أين كنت عن نفسي طوال هذه السنين
وكيف سمحت لأن أغلق جميع أبواب قلبي وعقلي
وأفتح باباً واحداً فقط
زيّنته بأسماء جميلة
وصببت عليه شهداً شيطانياً
يزيّن لي كل ما أفكر به
ويعطيني شعوراً متعالياً عن أولئك المخطئين

وبينما هي كذلك… نزلت قطرات دموع حسرة من عينيها
وإذا بصوت أذان المغرب يعلو من مئذنة قريبة
فأفاقت من عالمها… والتفتت حولها
فعلا صوتها بدهشة واستغراب
إنَّه يناديني… بالرغم مما أنا عليه
يناديني لأكلمه وأناجيه… لأتوجه إليه وليس لغيره
لأطلب منه خيري وصلاحي
ليكون أنيسي في وحدتي ومعيني في عجزي
ليكون لي حبيباً ورفيقاً!

سبحانك ربي…
لقد كنت بارّاً بي قبل أن أفتح عيني على هذه الدنيا
بل قبل أن أكون شيئاً مذكورا
ولا زلت… إلى يومي هذا
فما لا أعرفه ولا استشعره من برّك بي… لا يقارن بما أعرف واستشعر
فيا ربّ…
ارزقني معرفة لبرّك وفهماً
وألهمني من لدنك قوّة… لكي أشفق على نفسي وأبرّها
وأحبّ عبادك وأبرّهم
وأنظف قلبي مما يبعدني عن طريق الإحسان الذي تحب
إنك أنت البَرُّ الرحيم