المنتقم

المنتقم
أراد فنّانً ماهرً أن يُقِيم معرضاً
يستعرض فيه روائع الأشكال الهندسية
يُظهرها بشكل إبداعي جميل
ويُوصل للناس رسالة هو تشرّبها
بأنّ هذه الأشكال تضيف إبداعاً للفنون
فصنع مجسماً لكل تلك الأشكال… بلا استثناء

بدأ بالدائرة… صنعها بكل دقة وجمال وإتقان
ووضعها وسط لوحة كبيرة… ووَضَع باقي الأشكال حولها
فشعرت أنَّ هيبتها ضاعت بينهم
وأنَّها لم تعد نقطة التمركز كما كانت
ولأنَّ المثلّث وُضع فوقها في اللوحة… قرّرت أن تلقنه درساً ليعتبر
ويُردّ لها اعتبارها
فضغطت على زاوية من زوايا المثلث
فانحنت تلك الزاوية… ولم يعد مثلثاً

ولكي ينتقم المثلّث لنفسه
استخدم أحد زواياه… وكسر الدائرة
فدفع الجزء المكسور بالمربع… وانحنى ضلع منه
ومعه ثُقبت زاوية المثلث
وهكذا… كلّ منهم أراد أن ينتقم
في سلسلة لم تنته
حتى أفسد كلّ منهم نفسه… والآخر معه
فأصبحت اللوحة مجموعة من أشكال… ليس لها هوية محددة

وحين تمّ عرضها… مرّ عليها الناس ببرود
ولم يلتفت أحد بأنّها كانت أشكالاً هندسية
ولم ينجذب أحدً لمعناها… ولا مغزاها

فحين نَردّ الشر والأذى بمثله
قد نصل مرحلة لا نعرف بعدها معنىً للعفو
أو للمحبة أو الشفقة أو الاحترام
وتُمسخ المفاهيم الإنسانية رويداً رويداً
وبدل أن تجري المروءة في عروقنا
وتصبح وجوهنا نَضرَة منه… وأفعالنا مقتبسة منه
تجُول ديدان الحقد والانتقام في دمائنا
وتدخل في قلوبنا
ثم يُعاد ضخّها مرة أخرى
فننشغل بطرق ردّ الصاع بصاعين
وإن كنّا كُرماء… ننشغل بردّ صاعً بصاع
فحينها… نحن نُفقر العالم ونُضيف بؤساً
ونصبح كتلة تطمح للانتقام
والانتقام به الكثير من التجاوز
والتجاوز ظلم لا محالة
والظلم ظلمات مركَّبة
تغشينا قبل أن يتأثر بها آخرون

فلنتّخذ المنتقم حسيباً… ونتعلم الصفح الجميل
ونعمل على التصحيح بدل الانتقام
وندرك معنى… وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ
وأن للطبيعة طريقة تُجبر بها المخطئ على معرفة خطأه
طوعاً أّو كرها… ولو بعد حين
وأن الحكيم برمجها لتُرجع على الإنسان عمله
خيراً كان أو شرّاً… جمالاً كان أم قبحاً
وأنّ هناك يومًا عسيرًا
لا ينجو منه أحدَ بعدل… ما لم تشمله رحمة الرحيم

حينها سنتنعّم بأذهان أكثر صفاء… ونفوس أكثر انشراحاً
وتكون أيامنا مؤثرة فيمن حولنا… حتى مَن ظَلَمَنا
فهكذا عالم… يُلهم الخير والصلاح والإصلاح

همچنین ببینید

هل رأيت صورة في الإعلام أدمت قلبك من قسوة ظلم البشر؟

هل رأيت صورة في الإعلام أدمت قلبك من قسوة ظلم البشر؟ حولها فورًا في ذهنك …

يقول الفيلسوف المعاصر غلامحسين دينانى

يقول الفيلسوف المعاصر غلامحسين دينانى: “مخلوق كالوردة تبقى وردة إلى يوم القيامة، ولا تستطيع أن …

تشكل اللحظات الحازمة المفتاحية مفترق

تشكل اللحظات الحازمة المفتاحية مفترق طرق يكون فيها على الإنسان الاختيار بين الشعور بالأمان وانتخاب …

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *