يأس

يأس

عادة ما يكون اليأس أوّل رفيق له حين يمرّ بظرف صعب أو يتعسر عليه أمر
فيقرر حينها أن يتمسّك به ويلازمه ولا يفارقه
ومع ذلك يُصنّف نفسه على أنّه إنسان منطقي وعقلاني
وأنّه يستطيع أن يرى المعطيات كاملة في الأزمات ويوازنها
ويردّد كلمات تحمل أملاً بالله ورجاء لكرمه ورضا لمشيئته
ولكنّها غالباً ما لا تتجاوز كونها حركة لسان ليس بينها وبين القلب رابط
فترى شذرات اليأس في كلماته وحركاته وملامح وجهه وتأوّهاته
يحسَب نفسه صلبًا قويًا ولكنّ قلبه يشيخ سنوات بعد كل مشكلة وأزمة
ويمتصّ جفاف اليأس نداوة قلبه وحيويته ويرميه مهلهلا
وما أن يحاول استعادة أمله حتى يأتيه أمر آخر متعسر
ويعيد كرّة الخوف واليأس، وتتعمّق الشيخوخة في قلبه وتزداد تجاعيده

ويخفق في تأمّل ماضيه بأنّ أسوأ مخاوفه قليلاً ما أصبحت واقعاً
وأنّ مشكلات كثيرة انفرجت من حيث توقّع ومن حيث لم يتوقّع
خاصّة في ذروة الوقت الذي يبدو فيه الفرج مستحيلاً والسبيل إليه مغلقاً
ومع أنّه يفرح حين تنفرج أموره، إلا أنّه لا يلبث أن ينسى

ويخفق هو، وربّما نحن معه أيضاً…
في أن نتعلّم بأنّ اليأس لم يكن علامة صادقة لأحد أبداً
وأنّ رحمة الله تعالى لا تفارقنا وتنتشلنا من بؤر سقيمة
وأنّ اختيار اليأس كفيل بأن يزرع في قلوبنا نبته بائسة قبيحة
تتطفّل عليها ديدان متنوّعة تسري في عروق حياتنا

فاليأس يركّز على الحرمان وحفر حُفر عميقة لوأد الأمل وبوادره
ولديه طرق مختلفة للانتقال منّا لتصل للآخرين
واختيار أضعف مواقع قلوبهم والسكن فيه
وبذلك نكون نحن جسراً لعبور اليأس إلى الآخرين
بينما جمالنا وإنسانيّتنا تكمن في أن نكون جسراً للأمل
والتوكّل على خالق الأّكوان والتذكير برحمته وهو أرحم الراحمين.