خانه / مناجات الحکم / ✳ تجليات العبادة في حياة الإنسان..

✳ تجليات العبادة في حياة الإنسان..

✳ تجليات العبادة في حياة الإنسان..
___________________

تتخذ العبادة في حياة الإنسان أحد ثلاثة أشكال متباينة، يلازم كلاً منها نوع من الأثر:

۱⃣- العبادة السالبة (الأثر السلبي):

العبادة الخاطئة والشكلية والخالية من المحتوى والهدف تنصب في سلوك الإنسان تجليات سيئة سلبية.

فقد كان الخوارج أهل عبادة وقرآن وذكر وثفنات، لكنّهم كانوا غارقين حتى الثمالة في الشكليات العبادية الخالية من اللبّ والجوهر، وكانت حياتهم تنطبع بسذاجة بالغة في الفهم، متسرّعة قاسية في الحكم، عنيفة متشددة في التطبيق، لا تعرف التسامح.

كانوا يسمعون علياً (ع) يصدح بالخطب الباهرة والفهم العظيم لكتاب الله وسنة نبيّه (ص)، فيقولون عنه: “قاتله الله من كافر ما أفقهه!!”.

وفي طريقهم إلى النهروان يأكل أحدهم رطبة ملقاة في الأرض، بعدما أمضه الجوع، فيتصايحون في وجهه: أكلتها بغير حقّ، وعليك قذفها، ودفع ثمنها، ويقتل أحدهم خنزيراً، فيجبرونه على دفع ديته إلى مالكه المسيحي. يسمع أحدنا ذاك، فيظنّهم قمة العفة والورع والتقوى، ولكنّه يتفاجأ أنّهم في مسيرهم ذاك بعينه، حين يضفرون بالصحابي الجليل عبد الله بن خباب بن الأرت ـ والي الأمير (ع) على النهروان ـ، يقتلونه، ويبقرون بطن زوجته ويستخرجون جنينها، ويقتلونه على صدر أبيه، ثم يقتلونها، ويقتلون النسوة الثلاث المرافقات لها!!

هذه التجليات السلبية الانفكاكية للعبادة نراها تمثل خطاً ممتداً عبر مسيرة التاريخ، فكما شوشت حياة الخوارج صبغت حياة عمر بن سعد بن أبي وقاص، الذي قاد الجيش العارم ضد أبي عبد الله الحسين (ع) في كربلاء، فصلى في أصحابه يوم العاشر من المحرّم (صلاة الجماعة)، لكنّ صلاته تلك لم تمنعه فور انتهائها أن يضع سهمه في كبد قوسه، ويرمي به الحسين سيّد الشهداء، وهو يقول: “اشهدوا لي عند الأمير ابن زياد أني أول من رمى”!!

كما جعلت شمر بن ذي الجوشن الضبابي الذي كان يصلي مع علي في الصفّ الأول، وحارب إلى جانبه في موقعتي الجمل وصفين، ثم اعتزل بعد صفين في مسجد في الكوفة للتفرغ لرواية الحديث، جعلته تلك العبادة القشرية الخاوية يصعد على صدر الحسين بنعاله، ويقول للحسين (ع): “لدانق واحد من جائزة الأمير خير منك ومن شفاعة جدك”!!

والخيط الممتد لهذه العبادة الجوفاء يصل إلى خوارج العصر (الدواعش) في سوريا والعراق والسعودية والكويت وتونس وغيرها..، الذين امتدت أيديهم الأثيمة في قرية الحطلة في دير الزور في سوريا لتنحر السيّد حسين الرجا وزوجته وطفله، مستنسخة فعل الخوارج في النهروان، ولما يأتي أحد الصحفيين ليكشف وجه المرأة ليصورها ـ من باب التوثيق ـ يقولون له: (هذه امرأة)!!

إنّهم ـ بخوائهم الزائف ـ يدّعون حفظ شرف المرأة وعدم كشف وجهها، وربّما حرمة التصوير كذلك، في حين يبيحون دمها، ويسفكون مهجتها!!

وفي ۱۴/ شعبان/ ۱۴۳۵هـ، أيام الزيارة الشعبانية للإمام المهدي (عج)، امتدت يدهم العاشقة للدم إلى السيّد رضا البطحائي وزوجته وولديه أثناء رجوعهم من مدينة سامراء، وقتلتهم جميعاً، ثم حفّزتهم على التفاخر: (لقد ذبحناه، وذبحنا زوجته وولديه)!!

وهي ذات اليد الجائرة التي سفحت الدماء الزكية الغالية لأهلنا في الدالوة والقديح والعنود في السعودية، وأوغلت في دماء أهلنا الأبرياء الكرام في الصوابر بالكويت، ولم تحفظ قيمة لبيوت الله، ولا ليوم الجمعة، ولا لشهر رمضان، ولا للدماء المحترمة المصونة.

وهي ذاتها التي قتلت السيّاح في تونس، والأبرياء في معمل الغاز في فرنسا.

إنّ هذه السكين الحمراء كما تتمظهر باسم داعش، تتمظهر باسم النصرة و(بوكو حرام)، وغيرها..
۲⃣ـ العبادة الساكنة (الأثر السكوني):

والعبادة الساكنة قد تكون (إفيوناً) وإبرة تخدير لصاحبها، تعيق انطلاقه في حياته الشخصية والعامة، وتجعله يراوح مكانه على طريقة (مكانك سر)!!، وكما تكبح حياة الفرد عن الانطلاق تكبح حركة المجتمع.

لقد قال النبي موسى (ع) لليهود: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}، فأجابوه و{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ}، و{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}.

وذاك الموقف السكوني الخامل الذي رأيناه مع اليهود نراه في زمن أمير المؤمنين (ع) متجلياً في سلوك سامري هذه الأمة (الحسن البصري)، الذي انكفأ عن المشاركة في حروب أمير المؤمنين، ولما عاتبه أمير المؤمنين (ع) قال: سمعتُ قائلاً يقول: (القاتل والمقتول في النار)!!

وهو نفسه الموقف الذي تلفع به سلوك عبد الله بن عمر، الذي كان يلقب ب (حمامة المسجد)، والذي قال للإمام الحسين (ع) يوم دعاه لمحاربة يزيد: لي المحراب والقرآن والمسجد، فامض أنت لمقاتلة يزيد!!

۳⃣ـ العبادة الفاعلة (الأثر الإيجابي/ الحركي):

وحين تجمع العبادة بين الشكل والمضمون، القشر واللبّ، الطقس والمحتوى، المظهر والجوهر، يتحقق الأثر الإيجابي الحركي للعبادة، فتصبح (دينمو) يحرّك الإنسان في كلّ مناشطه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

إنّ ذاك الموقف السكوني البالي الذي رأيناه من اليهود في زمن موسى (ع)، قلبه المقداد بن الأسود الكندي (رض) جذرياً؛ بسبب ما يحمله من إيمان دافق، وتجلّ صحيح للعبادة، وجعله في موقعة بدر حين فاتتهم قافلة قريش، وقابلوا جيش المشركين، ينضح بما في إنائه المغدق ويقول: “يا رسول الله، لا نقول لك ما قالت اليهود لموسى: {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}، بل نقول  لك: اذهب أنت وربّك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون، فوالله لو خضتَ بنا البحر إلى برك الغماد ـ يعني الحبشة ـ لخضناه معك”.

فالله ـ سبحانه وتعالى ـ لا يريد منّا صلاة خاوية، وإنّما يريد صلاة يحضرها القلب، وتنهى عن الفحشاء والمنكر {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}.

ولا يريد منّا مجرد امتناع عن الأكل والشرب والمفطرات، وإنّما يريد صياماً يحقق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

ولو سألنا كثيراً من المسلمين: من هو المكذب بالدين؟، لقالوا: هو من ينكر ضرورياً من ضروريات الدين، كالتوحيد، والنبوة، والمعاد، لكنّنا حين نوجّه السؤال نفسه إلى القرآن الكريم يجيبنا بإجابة مختلفة يظهر فيها مدى اهتمامه بالأثر الاجتماعي الإيجابي للدين، ونقوره من  الأثر الاجتماعي السلبي: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}.
__________________
📝 علي علي آل موسى..
🌹 القطيف – العوامية.
🌷 ۱۹/ رمضان/ ۱۴۳۶ه.

همچنین ببینید

الماء أكثر عناصر الكون نقاء وشفافية،

الماء أكثر عناصر الكون نقاء وشفافية، وهو أساس الحياة ودونه الموت، ولنستعد للصلاة التي هي …

تبدأ سعيك منذ الصباح،

تبدأ سعيك منذ الصباح، لتبحث عن رزقك وإثبات ذاتك، وتريد أن تحصل على ما تستحق …

يُقيم المؤذّن الأذان عدّة مرّات في اليوم،

.يُقيم المؤذّن الأذان عدّة مرّات في اليوم، يخاطب الإنسان في الوجود، أن قِف… قف مكانك …

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *