الحكيم

الحكيم
في يوم خريفي
وعلى صخرة في حقل صغير
جلس عجوز بجانب حفيده
فقد قرر أن يغادر القرية… لينطلق إلى المدينة
حيث يبحث فيها عن النجاح والإثارة والرفاهية
اقترب الجدّ قليلاً… ثم وضع يده على كتف حفيده
وقال له بصوت محبّ عطوف
حين تبدأ حياتك الجديدة… حذارِ أن تنسى هذا الحقل
وما تعلمت منه
فكلّ شيء فيه يعلّمك مَن عليك أن تكون… ومَن لا تكون

فاحذر أن تنظر كنملة… تعتقد أن الوجود ما هو إلا ما تراه عيناك
وتأكل كدجاجة… تُغذّي أفكارك بأيّ شيء تلتقطه من هنا وهناك
وتلهث ككلب… لتجمع مالاً لأجل المال
وتعيش كضفدع… تُظهر وجودك بصوت غناء لمستنقع
فإنَّك إن فعلت… تضيف قشرة على جوهر حياتك كل ساعة
بل كل لحظة
تبعدك عن حقيقة الوجود
وما لأجله خُلقت… ومن عليك أن تكون
فتعيش في فراغ لزج
تعتقد أنك تَسبح في بحر الحرية
بينما كلّ خلية منك ملتصقة بهذا الفراغ
ولن تعرف وتستشعر إلا المُتع الحسّية
فتعيش لتأكل وتجمع وتُباهي وتُفاخر

فحينها… لن تفهم من الفصول غير بردها وحرها
ومن الأحزان غير دموعها
ومن الأحداث غير تسلسلها
ومن المشاعر غير تقلّبها
فيكون لك عقل… لا يعرف إلا الحساب
يزن ما يزيد متعتك ويبعدها عن النقصان
ويكون لك قلب… في صراع دائم مع عقلك
أو في غيبوبة هادئة
أو ربَّما تحول إلى قطعة حجرية ملساء

فاعمل على أن تزيل قشورك… ولا تضيف غيرها
لتتصل مع جوهر وجودك
وتفهم أن القلب العاشق ما هو إلا العقل المرتبط بالكون
فيكون عقلك عاشقاً للحق
وهذه مرتبة عالية جميلة… متعة لحظة منها أكبر من مجموع أي متعة جرّبت
فترى أبعد من المواقف والأحداث
وتربطها بالإنسان والإنسانية
وصلاحك… وصلاح العالم
فوَحده الحكيم من يعرف مغزى الأمور وبواطنها
وخير ما قد يبدو شراً… وشر ما قد يبدو خيراً
ولكنّك حين تحمل عقلاً عاشقاً
ستكون كل ذرّة منك مرتبطة بالكون
وتستطيع أن تلتمس شذرات من اسم الحكيم
فتصبح وجوداً نادراً
تطبع أشعة الشمس قُبلة على جبينك كل صباح
فتشعر أنك واسع بسعة أشعتها