الحب…

الحب…

 

يكاد يكون الحب هو العاطفة الوحيدة التي يندر وجود من لم يستشعرها ويعرفها ويجرّبها. فالإنسان يبحث عنها في كل الأحوال إذ هي معجونة بكيانه ووجوده. وللوهم مداخل كثيرة من باب الحب، فحاجة الإنسان إليه شديدة، وهو يرتبط بتكوين نظرة الإنسان لنفسه وتقديره لها. فمن يعيش في أجواء يعتقد بعدم وجود من يحبّه، قد يسمح لعقله بالاستعانة بخياله لتفسير أسباب ذلك، وإسنادها لأمور قد تكون غير حقيقيّة أو مبنيّة على معطيات غير سليمة، فقد يفسّر ذلك على أنّه فاقد لأي شيء يستحق الحب، أو أنّ الناس لا تقدره، أو أنّهم لا يرون أنّهم سيحصلون على مقابل من حبّهم إليه، أو غيرها من التفسيرات، وهي جميعها لا تخرج من حالتين، فهي إمّا أن تضع الخلل في نفسه لقصور وضِعة وعدم استحقاق، أو في الآخر بعدم الإنصاف وعدم التقدير وغيرها. وفي كلتا الحالتين، ينشغل الإنسان بمحاولة قراءة أفكار الآخرين وتحليل سلوكياتهم وإعطاء معاني لحركاتهم وسكناتهم، فيحصر نفسه بين الشعور بالمظلوميّة والشعور بالمطالبة والاستحقاق، وكلاهما يصنع منه شخصاً لا يحب الآخرون التواجد حوله، بل وقد ينفرون منه، مما يعزز شعوره بأنّه شخص غير محبوب، وهكذا، يدخل في دوامة يكون البؤس محورها.

 

إنَّ مصدر تعاسة  البشرية ترجع في جزء كبير منها إلى خلل في فهم وطلب الحب أو الانتقام من ألم فقدانه، ولأنَّ هذا الشعور يبدو في كثير من الأحيان هلاميّاً عائماً غير واضح الأّسس والملامح والحدود، فإنه كثيراً ما يتحوّل إلى عاطفة محرّكة عمياء. ولعل المدخل الأكبر للوهم في الحب هو الاعتقاد بأنّ علاقة الإنسان مع الحب هي علاقة استلام وتبادل، فيركّز الإنسان أولا على مقدار ما يأخذه من الآخرين، وإن تطوّر درجة، فإنّه يرى أنّها علاقة متبادلة، حيث يقرّ بأنّ عليه أن يعطي بقدر ما يستلم، وفي الحالتين، فهو يعتمد اعتماداً كليّاً على الطرف الآخر، فيصبح هو ومشاعره ونظرته لنفسه تحت سيطرة الآخرين، يتحكّمون بها بمقدار وكيفيّة الحب التي يقررون أن يمنحوها إيّاه أو يمنعوها عنه.

إنّ السبيل الوحيد للخروج من ذلك هو امتلاك زمام الأمور بأيدينا، بحيث يكون إناؤنا مستودعاً لحب أصيل لا يعتمد على الآخرين، وما نستلمه منهم يعدّ ثانويّاً لا يكاد يذكر لما هو موجود أصلاً، فنملؤه بحب الله، والذي يعدّ حب عباده حبّاً إنسانيّاً أحد أقوى الطرق وأجملها لترسيخ محبته في قلوبنا، ليس لأجلهم فقط، بل لأجل خالقهم، فنمنحهم المحبّة دون توقّع استلام أي شيء منهم في المقابل، فكميّة الحب في قلوبنا ونوعيّته تزداد وتتعمق وتتأصل مع إعطائها أكثر بكثير مما تزداد وتتعمّق وتتأصل من استلامها، وهو الحب الذي يرقى بالإنسان إلى درجات أعلى تتلازم معها مشاعر راقية أخرى كالسلام والانشراح.

 

همچنین ببینید

الماء أكثر عناصر الكون نقاء وشفافية،

الماء أكثر عناصر الكون نقاء وشفافية، وهو أساس الحياة ودونه الموت، ولنستعد للصلاة التي هي …

تبدأ سعيك منذ الصباح،

تبدأ سعيك منذ الصباح، لتبحث عن رزقك وإثبات ذاتك، وتريد أن تحصل على ما تستحق …

يُقيم المؤذّن الأذان عدّة مرّات في اليوم،

.يُقيم المؤذّن الأذان عدّة مرّات في اليوم، يخاطب الإنسان في الوجود، أن قِف… قف مكانك …

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *