معرفة وأحكام

 

معرفة وأحكام

 

يعتقد بأنّه خبير بالنفوس وبارع في قراءة ما يدور في العقول

ولم لا، فهو يعرف الكثيرين معرفة شخصيّة وقريبة

فهو يشاهد الناس ويراقبهم ويعرف كيف يفكرون ويتفاعلون

فما أن يرى ضيقاً عند أحدهم أو فرحاً حتى يخمّن السبب…

ويحولّه في لحظات إلى يقين

متناسياً أنّ كارثة قد تتبع يقين دون تأكّد وتمحيص ودليل

فهو يحكم عليهم جازماً من خلال أفعالهم ونظراتهم ولحن كلماتهم

وكأنّه عالم بحيثيّات أمورهم وما يدور بخواطرهم

يرى نفسه مقياساَ ويبدأ باستنتاج ما يتوجّب عليهم أن يفكروا ويعملوا

 

فبسذاجة… يستبدل مخاوف وآمال وأولويات وقيم الآخرين بتلك التي لديه

ويختزل تجربة حياتهم كاملة وما طبعته السنوات فيهم

والمشكلة تكمن في أنّه يعطي لنفسه امتيازاً

بأنّه تشاعر مع الآخرين وأدرك معاناتهم وتفهَّمهم وساعدهم

غافلاً عن أنّه لم يتمكّن من تجاوز نفسه ليصل إلى الآخرين

ولم يقم سوى بطبع صورة لهم وإدخالها في فلك نفسه

 

فلكي نفهم، علينا محاولة إدراك نظرة الآخرين لأنفسهم وللحياة

وليس ما نعتقد نحن أنّها نظرتهم

فالمساحة بين الاثنين قد تكون شاسعة

وعلينا أن نستمع بقلب منفتح…

لنفهم ما يشعرون به وليس ما نعتقد بأنّهم يشعرون

فلا يوجد طريق آخر لنتمكّن من مدّ يد العون بصدق

 

وإن تعذّر ذلك…

فحري بنا أن لا نصدر أحكاماً خاصة إذا حملت سوءاً أو أذى

ونمنح أنفسنا مساحة من الشك حين تساهم أحكامنا ببناء حواجز بيننا وبينهم

أو بينهم وبين أنفسهم، عاطفية كانت تلك الحواجز أو نفسية

فإذا لم نتمكّن من أن نكون وردة عطرة في حياة الآخرين…

لا أقل من أن نختار أن لا نكون شوكة.