ملامة

 

ملامة

 

يسترجع لحظات حياته وأحداثها كلّما مرّ بأوقات صعبة قاتمة

تلك التي تركت فيه أثراً مؤلماً، أو التي يعتقد أنّها تسببت في وضعه الحالي

ويستحضر المسئولين عنها والمُلامين فيها، أحياء كانوا أو أموات

فتتوارد أفكار وصور مزعجة عنهم في ذهنه

ترافقها مشاعر مريحة بالرغم من ألمها…

إذ أنّ بملامة الآخرين يخفف العناء عن نفسه

فيرمي بمسؤولية حياته على عاتقهم ويشعر معها بالمسكنة والركون إلى النفس

ويرى أنّهم مدينون له، فينظر إليهم بتعالي ومطالبة

 

وذلك لن يحوّل واقعه للأفضل، ولكنّه يبني جدارا سميكاً بينه وبينهم

فلو خرج من نفسه ومسكنتها ونظر لمن يلقي عليهم الملامة، وتمعّن

لعرف أنّهم وإن قصدوا إيذاءه…

فهذا غالباً لا يكون إلا لأنّهم يصرخون من فقر بداخلهم يصعب التعايش معه

كفقر إيمان وشخصية وكرامة وشعور إنساني

وحين يستفحل فقرهم دون حَل…

يحاولون توزيعه على الآخرين لتخفيف وطأته عليهم

ولا ينتبهون بأنّ كل ما يفعلون…

هو المساهمة في توغل ذلك الفقر في أنفسهم بصورة أشدّ وأوسع

 

فكلّ حرب وظلم وأذى يحصل في العالم ما هو إلا نتاج لذلك الفقر

ولا سبيل للخروج من هذا الفقر إلا بغنى المحبة

فبقدر المحبة الموجودة في كلّ قلب يكون غناها، وبقدر فقدانها يكون فقرها

والطريقة الوحيدة لزيادة رصيد المحبّة في القلب هي إهداؤها للآخرين

فالمحبّة لا تزداد باستلامها وتخزينها، بل بنشرها وتوزيعها

ومع اتساع دائرة نشر المحبّة… يزداد رصيد العالم منها

وإيصال المحبة لمفتقر لها جزء من مسؤوليتنا الإنسانية

نساهم بها في الانسجام الكوني

ذلك لأن الكون يفهم لغة المحبة، كيف لا وهو معجون بها مصنوع منها؟