متابعة وملاحظة
كثيرًا ما تمضي لحظاته بمتابعة الآخرين وملاحظتهم وانتقادهم
فهذا أخلاقه ركيكة، وذاك جاهل، وهذا جاحد، وآخر مستهتر
وذاك يعيش الشفقة على نفسه، وهذا متكبر ويرى لنفسه شأناً ليس شأنه
وهو فخور بدوره في الكشف عمّا يحاول الآخرين إخفاءه في شخصياتهم
ويميّز نفسه بقوة الملاحظة واصطياد النقاط السوداء في الآخرين
فيصبح عقله جامعاً لذلك السواد الذي يجمعه منهم
ولانشغاله بذلك، لا يرى في الآخرين جمالاً ولا في نفسه عيوباً
وكلّما رأى عيوب الآخرين صغروا في عينيه، ونزّه هو نفسه
فيستحوذ عليه الوهم بمقام يُعطيه لنفسه يصدّقه ويعيشه، فيتعالى
نحن لا نستطيع دفع الإنسانية إلى الأمام بملاحقة أخطاء الناس وزلاتهم
فنادراً ما يحب الناس ذاك الذي يُريهم صورة أنفسهم داكنة في مرآة قاتمة
ويميلون لمن يُعطيهم مرآة صافية يرون فيها أنفسهم كما هي
ويحفّزهم بمحبّة لمسح ذلك السواد واستكمال جمالهم
ولا سبيل للقيام بذلك مع وجود ذرّة من شعور بتصغير أو تحقير لأحد
فجميعنا نمتلك مجسّات مدفونة في بواطن قلوبنا تستطيع التمييز
ووحدها نظرة المحبّة هي التي تستطيع أن ترقى بهم وبنا في آن
وتسمح لبصماتنا بأن تلامس زاوية صغيرة من قلوب الآخرين
لنتعلّم منهم ويتعلّمون منّا، ونلهمهم ويلهمونا
ونشترك معهم في صناعة الإنسان.