تحكّم
يقوم بأمور خيّرة تعطيه طابع المعطاء الودود
ومع ذلك تخالجه رغبة يحبّها ولكنّه لا يعرف لها تسمية
فمع أنّه لا يريد مردوداً ممن يعطيهم، ولا يمنّ عليهم بكلمات وأفعال
ولكن لديه توقعات في الكيفية التي يريدهم أن يتصرّفوا فيها
ويقوم بإيصال ذلك لهم بأشكال مختلفة وضغوط ناعمة
كأن يتأكّد من أن خيطاً مستداماً من الخجل والامتنان له موجود دائماً
ولأنّ اللطف والمحبّة يأسران، ولأنّ الخجل يُضعف
فهو يستغلّ ذلك ليُحيك من تلك المحبة واللطف والخجل سوراً حريرياً ناعماً
ويتحكّم بهم ويقلّص خياراتهم طوعاً دون إجبارهم على شيء
ومن الحكمة أن نتأمّل، ولا نستثني أنفسنا من أن نكون كذلك…
حين نتوقع ممن أحببنا أو أكرمنا أن يتصرّفوا بطريقة معيّنة
وحين نشعر بالغُبن حين يتعاملون معنا بنوع من التساوي وربّما بندّية
وحين يُبدون رأياً وكأنّنا أشخاص عاديين ولم يراعوا لنا خصوصية
وحين نؤمن بأنّهم بإزاء ما قدّمناه لهم كان عليهم أن يقوم بشيء ما من أجلنا
وأن يأخذوا وجودنا بالاعتبار دائماً، فهم مربوطين بنا نوعاً ما
وبقاءهم داخل الأسوار التي بنيناها لهم يُعتبر نوعاً من رد الجميل لنا
وهذا أمر شديد الدّقة…
فما نطلبه أكبر من المنّ بكثير، فهو تحكّم خفي
وهذا قد يُجبر الآخرين على تبني ما لا يرغبون ولا يحبّون
وربّما يحفّزهم على الكذب والنفاق لكي يُبدون أنّهم شاكرين لنا وممتنّين
ويثبتون لنا بأنّهم استحقوا ما أعطيناه لهم
ونكون بذلك وضعنا لأنفسنا مكانة هي لله تعالى
ونعيش الوهم والتكبّر والتعالي و…
ونحرم أنفسنا مما يوصلنا لمقام العبوديّة السامي
ونصنع متاهات تُصعّب على الآخرين الوصل لذلك أيضاً
بينما نحن خُلقنا لنسعد في كل خطوة نمضي بها في سبيله
وفي كل فعل نقوم به يحفّز القلوب للوصول لذلك المقام.