مناجات الحکم

  حين نحمل المرّ لنسقيه مَن أساء إلينا فنحن نتجرّعه مرّتين. التحامل يؤدّي إلى الرغبة في الانتقام، والرغبة في الانتقام تحفّز أسوأ ما بنا وتساعده على الظهور لحيّز الوجود، وحينما يظهر للوجود نحتاج أن ندافع عنه وكأنّه جزء منّا، مع أنّه قبيح لا نستسيغه ولا يليق بنا، وحين ندافع عنه …

  الصفح هو الآلية الوحيدة للتصالح مع الماضي والعيش بسلام مع ذاكرته. التحامل هو الشعور بالأذى أو الاستياء الذي نحمله تجاه شخص ما نعتقد أنّه أساء إلينا بشكل من الأشكال، وهو قد يؤدّي بنا إلى الرغبة في الانتقام وإعطائه رشفة من المرّ الذي شربناه من جراء الإساءة التي وجّهها إلينا، …

الصفح الراقي هو ممارسة يومية تتعمّق حتى تصبح ملَكَة لدى الإنسان. الأحداث التي حدثت لن تتغيّر وما قيل وما حصل لن يغيّره الزمن، فهذا قد تمّ وانتهى وهو الآن خارج عن سيطرتنا، ولكنّ المعنى الذي نعطيه للأحداث والكيفية التي نتعامل معها ونتفاعل فيها هي التي لنا السيطرة الكاملة والتّامة عليها، …

التحامل يُدخلنا في أسر لا يحررنا منه سوى الصفح. الصفح الراقي ليس عملاً نقرّر أن نقوم به كلّما أساء إلينا أحد، بل هو نمط حياة وممارسة يومية للمواقف المختلفة الصغيرة منها والكبيرة، والتي نعوّد فيها أنفسنا أن تكون إنسانيتنا هي الواجهة التي نتعامل بها مع الآخرين، فتتحول هذه القيمة إلى …

  الصور التي نخزنّها في أذهاننا عمّن أساء إلينا تعكّر حتى أجمل لحظات حياتنا. عندما نقرّر بأن لا نصفح عن شخص أساء إلينا، فإنّنا بذلك نمنحه قوّة التحكّم بنا وبعقولنا وبمزاجنا، لأنّه بذلك سيبقى في ذاكرتنا يحرّك عواطفنا كلّما التقينا به أو سمعنا تردّد اسمه أو حتى مرّ بذاكرتنا، وحين …

بالصفح تمتلئ حياتنا بطاقة إيجابية تمضي بنا على جادّة الإنسانية. يتشكّل جزء من نظرتنا للعالم من نظرتنا للأشخاص الموجودين في حياتنا، فإن أخذنا لهم صورة في الوقت الذي أساءوا ألينا فيه وآذونا، واختزناهم فيها واحتفظنا بهذه الصورة، فستمتلئ أذهاننا بصور ممن نعتقد بأنّهم يمثّلون أذى وإساءة، وستكون أفكارنا وقراراتنا وكلماتنا …

  مقاومتنا للصفح تعني بأنّه على الآخرين أيضاً أن يقاوموا الصفح عنّا حين نخطئ أو نسيء. حينما نتسامح ونَصفح ونُحب، فإنّنا نملأ قلوبنا بطاقة ايجابيّة تدفعنا للحياة وتمضي بنا على جادّة الإنسانية بسلاسة وانشراح، وحينما نتحامل ونكره ونريد الانتقام، فنحن نملأ قلوبنا بطاقة سلبيّة تقذف بنا إلى الوراء في جادّة …

الصفح الذي يأتي بعد تبرير الطرف الآخر لما قام به وإقناعنا به ليس صفحاً. حين نصفح عن الآخرين، فنحن نعترف بداخلنا بأنّ الإنسان من الممكن أن يخطئ، وحين نقرّر عدم الصفح، فنحن إمّا أنّ نضع الآخرين أعلى من مستوى الخطأ، أو أن نضع أنفسنا أعلى من المستوى الذي من الممكن …

  إنّه خيارنا أيّ من الصفات المتآخية نريد أن نُسكن بداخلنا. إذا كنّا لا نريد أن نصفح حتى يُبرّر لنا الطرف الآخر سبب ما قام به ونقتنع بأنّه لم يكن يقصد إيذاءنا أو لم يكن يُراد للأمور أن تأخذ المنحى الذي أخذته والذي تسبب لنا بالإساءة، فإن برّر لنا ذلك …

  ليس من الإنصاف اختزال ذاكرة الشخص بالإساءة التي قام بها. التحامل والانتقام والغضب والكُره جميعها تأخذ مساحات شاسعة من القلب حين يحلّ أحدها أو جميعها فيه، وهي صفات متآخية تحبّ أن تكون مع بعضها تآزر الواحدة منها الأخرى وتغذّّيها وتنمّيها، ولا تحبّ أن تتواجد في القلب الذي تسكنه مشاعر …