خانه / مناجات الحکم / التميّز…

التميّز…

 

التميّز…

 

التميز غاية يسعى الكثيرون للوصول إليها، ويتمنّاها أغلب الوالدين لأبنائهم. وبالرغم من أنّ كلمة التميّز تستخدم بشكل واسع ومن أشخاص مختلفين، إلا أنّ كلاً منهم قد يرى التميز بصورة مختلفة، وربّما المشترك بينهم هو معنى التميّز الذي يتضمّن أن يتمتّع الفرد بدرجة أعلى وأفضل من الآخرين في المجال الذي يتميّز فيه، وأن يكون لديه ما ليس لديهم في ذلك المجال، فتميّزه يُقاس بموقعه بالنسبة للآخرين من حوله ومستواهم مقارنة به، فإن كان مستوى من حوله عال، لزم على مستواه أن يكون أعلى، وإن كان هابطاً فليس بالضرورة أن يكون هو في مستوى عال، بل يكفي أن يكون أعلى منهم بالقدر الذي يستطيع أن يبهرهم به. فليس عليه أن يكون بمستوى معين، ولكن المهم أن يكون هو أفضل من غيره في مجال أو أكثر. فلو لم يرتقِ الناس من حوله في ذلك المجال، فلا حاجه لرقيه هو، ويستطيع أن يبقى كما هو دون أن يتطوّر، ومع ذلك يبقى محافظاً على تميزه.

 

إنّ هذه النظرة للتميز تعطي شعوراً وهميّاً بالنجاح والعلو والأفضليّة، فمن الممكن أن يكون الإنسان أقل بكثير مما يمكنه أن يكون عليه ولكن لتواجده في بيئة لا تتمتّع بإمكانيات مناسبة في مجال تميزه، وأشخاص لم يحصلوا على ما حصل عليه، يعتقد أنّه أكثر من جيد، وهذا يجعل تميزه مرهوناً بتأخّر الآخرين، أو على الأقل عدم تطورهم لدرجة يتساوون فيه معه أو يتقدمون عليه، فكلما اتّسعت الهوّة بينه وبينهم، كلما ازداد تميزًا والعكس بالعكس، وعليه فتقدّم الآخرين وتطورهم يشكّل تهديدًا له، وفي جميع الحالات، تميّزه لا يتعلّق برقيّه وتقدّمه هو كإنسان بل بتقدّمه على الآخرين.

 

إنّ التميز الذي يضيف قيمة حقيقيّة للفرد هو ذاك الذي يحرزه على نفسه، فيتميز بمن هو عليه اليوم عمّا كان بالأمس، ومَن سيكون بالغد على مَن هو عليه اليوم، وفي الوصول إلى نجاحات إنسانيّة ومهنيّة وغيرها لم يعتقد يوماً أنّه يستطيع الوصول إليها، ويتميّز في الجوانب التي ترقى به إنسانياً ويستطيع من خلالها أن يساهم في تطوير مجتمعه والعالم من حوله، كطلبه للعلم وإتقانه للعمل ومقاومته وقدرته وصموده وإصراره ومحبّته وإيثاره وتفانيه في مساعدة الآخرين وقدرته على السيطرة على نفسه وغضبه. فذلك يجعل منه شخصاً متميّزاً لا يضرّه بأي حال من الأحوال أن يتقدّم أو يتطوّر أو يرقى أي شخص بأيّ قدر وفي أيّ مجال كان، فلا يوجد مَن يمكن أن يشكّل تهديداً له، فتميّزه منوط به هو فقط وليس بالآخرين. فإن كان كذلك، سيصعب على الحقد والحسد أن يفتح طريقاً في قلبه، وفي المقابل يترسخ حسّه الإنساني في مسيرة حياته يوماً بعد يوم، ولا بدّ للانشراح أن يكون رفيقاً ملازماً له.

 

همچنین ببینید

هل رأيت صورة في الإعلام أدمت قلبك من قسوة ظلم البشر؟

هل رأيت صورة في الإعلام أدمت قلبك من قسوة ظلم البشر؟ حولها فورًا في ذهنك …

يقول الفيلسوف المعاصر غلامحسين دينانى

يقول الفيلسوف المعاصر غلامحسين دينانى: “مخلوق كالوردة تبقى وردة إلى يوم القيامة، ولا تستطيع أن …

تشكل اللحظات الحازمة المفتاحية مفترق

تشكل اللحظات الحازمة المفتاحية مفترق طرق يكون فيها على الإنسان الاختيار بين الشعور بالأمان وانتخاب …

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *