خانه / مناجات الحکم / العيش والحياة…

العيش والحياة…

 

العيش والحياة…

 

يدقّ جرس بدء تواجد الإنسان على الأرض بيوم ولادته، وهو يعيش في هذه الدنيا إلى يوم مماته، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنّه يحيا، فالجميع يشتركون في العيش ولكن ليس في الحياة، فالعيش يتسنّى بوجود أمور أساسيّة تضمن استمرارية البقاء من قبيل الأكل والشرب والحماية من الأخطار، بينما للحياة بُعد أرقى وأعمق من ذلك بكثير.

 

والوهم الذي يعيشه الكثيرون هو اعتبار العيش مرادفاً للحياة. فالحياة لا تقاس بعدد المرات التي تشرق الشمس ونحن موجودون على وجه الكرة الأرضية كما تقاس به أعمارنا، بل بعدد الأيام التي نشرق فيها نحن، والأيام التي نضيف فيها شيئاً لأنفسنا ولمن حولنا، وحين ننمو، وحين نضع بصمة ترمز لنا بعد موتنا. فالحياة حركة عموديّة باتجاه الرقي وليس فقط أفقيّة باتجاه استمرار البقاء. وذلك لا يمكن أن يكون ما لم نركز على النفس وليس فقط على الجسد، ولكي نقوم بذلك علينا أن نرجع إلى الداخل ونتعرّف على مَن نكون. فحين ننظر لأنفسنا في المرآة نتعرّف فوراً على أن هذا الشكل المميز الذي يندر أن يشبهه أحد تماماً هو شكلنا نحن، وتلك الملامح هي ملامحنا نحن. ولكن قد يصعب علينا أن نتعرّف على جوهر أنفسنا بهذا الوضوح، فهناك احتمالات كبيرة بأن تكون بدواخلنا جوانب نجهلها أو نراها بصور غير حقيقيّة، فلا نتعرّف على حقيقة جوهر أنفسنا وما خلقنا الله تعالى عليه، ونضيع أوقاتا ثمينة من أعمارنا في محاولة التشبه بأشخاص آخرين ينالون إعجابنا في جانب أو جوانب معيّنة، فنتقمّص من كلّ فرد شيئاً، ونصبح شيئاً مرقّعاً، ونكون فعلا لا نشبه أحداً في المجموع، ولكننا لا نشبه أنفسنا أيضاً.

 

إنّ الله تعالى خلق كلّ منا لأداء دور إنساني سامي، لنتطوّر ونثمر في المكان والبيئة التي وضعنا فيها، وهو تعالى وضع بنا لمسة مختلفة لا تشبه أحداً، فبقدر ما نستطيع تصفية أنفسنا من الشوائب والأدران نستطيع صقلها، وبقدر صقلها نستطيع رؤيتها، وبقدر رؤيتها نستطيع معرفتها، وبقدر معرفتها نستطيع ربطها بخالقها، وبقدر ربطها بخالقها نستطيع أن نكون في جملة من أراد الله له أن يكون ، فيظهر جوهرنا الإنساني الحقيقي الذي لا مثيل له، ويكون هو المحرّك للنوايا والأفكار، والأقوال والأعمال، فيتجلى على هيئة إبداعات مختلفة في جوانب مختلفة، فنسمو إنسانيّاً، ونتطوّر من العيش إلى الحياة. وللسمو الإنساني خاصية غريبة، فهو لا يقتصر على صاحبه فقط، بل يبحث في قلوب مَن حوله؛ ليدخل نور تحفيز الحياة من أيّة نافذة مفتوحة مهما كانت صغيرة، فيساعد على سموّهم ورقيّهم أيضاً. فالحياة جمال وسمو وإبداع، وما سواها تواجد على الأرض، وشتّان بين هذا وذاك.

 

همچنین ببینید

هل رأيت صورة في الإعلام أدمت قلبك من قسوة ظلم البشر؟

هل رأيت صورة في الإعلام أدمت قلبك من قسوة ظلم البشر؟ حولها فورًا في ذهنك …

يقول الفيلسوف المعاصر غلامحسين دينانى

يقول الفيلسوف المعاصر غلامحسين دينانى: “مخلوق كالوردة تبقى وردة إلى يوم القيامة، ولا تستطيع أن …

تشكل اللحظات الحازمة المفتاحية مفترق

تشكل اللحظات الحازمة المفتاحية مفترق طرق يكون فيها على الإنسان الاختيار بين الشعور بالأمان وانتخاب …

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *