الصبر…

الصبر…

 

للصبر أبواب متعددة الأشكال والمواقع يستطيع الوهم أن يدخل من خلالها، فتفسيره يختلف لدى الناس وكل ينظر إليه بطريقته وحسب موقعه، فيختلط معنى الصبر لدى البعض بمعنى الكسل، والخنوع والاستسلام وغيرها من المعاني التي لا يحتاج فيها الشخص أن يقوم بأمور تساهم في تغيير وضعه من حال لحال مختلف. وقد يكون الصبر ملازماً للفقدان ، كفقد عزيز مثلاً، وهو قد يفتح باباً آخر من خلط الأمور، إذ يبدو أنّ الإنسان عليه أن يصبر على الفقدان مع أنّها حالة تتطلّب الرضا أكثر من الصبر، بينما تبعات الفقدان هي التي قد تحتاج إلى صبر.

 

وقد يكون الصبر مترادفاً لمعنى تحمّل وضع صعب أو مؤلم والتعايش معه، ولكن في الواقع هو نابع من جبن أو خوف أو قلة شجاعة أو عدم رغبة في خوض تحدّيات المضي في مسير التغيير. فالصبر يكون حينما يعرض الإنسان جميع خياراته ويكون مستعدّاً لخوض الخيارات الصعبة ولكنّه قد يختار الصبر لأنّه يرى أنّه الخيار الأفضل الذي يوصل للنتيجة الأفضل، فتكون لديه شجاعة وقدرة الخوض في الخيارات الأخرى التي لا تتطلّب الصبر، ولكنّه قد يختاره لأنّه الأكثر صلاحاً، فهنا يكون الصبر خياراً واعياً شجاعاً وليس خياراً راضخاً جباناً.

 

وحين يختار الإنسان الصبر بوعي، تتقلّص صعوبة الصبر بشكل لافت؛ لأن عنصر القوّة والاختيار يكون موجوداً فيه وليس عنصر المسكنة وقلة الحيلة، ولا يحتاج أن يكبح نفسه للصبر فيصبح كقنبلة موقوتة تتكدّس بداخله تراكمات الحنق والغضب، فتحاول أن تبحث عن أدنى ثغرة لكي تعبّر عن وجودها، بل يصبح خياراً مبنياً على أسس سليمة تساهم في الهدوء والسلام الداخلي، ويتعدّى الصبر أن يكون مجرّد انتظار لحدوث شيء ما، بل ليكون الطريق الأفضل الممكن بالظروف الموجودة للوصول إلى النتائج الأفضل.

 

والصبر الذي لا عمل فيه هو تخاذل وكسل وليس صبراً، فالصبر يتضمّن العمل للوصول للهدف المرجو، فاختيار طريق الصبر يكون في البداية بعد الاقتناع أنّه أفضل الطرق الممكنة، ومن ثمّ سؤال الإنسان نفسه في كلّ حين عما يستطيع أن يفعل الآن وفي ظلّ الظروف الموجودة اليوم لكي يساهم في الوصول للنتيجة التي يصبو إليها مع أخذ جميع الاحتمالات بالاعتبار، وأيضا العمل على أن يتمكّن من مواكبة المتغيّرات والسيناريوهات المحتملة وأن يكون جاهزاً لها، وأن يعزّز ذلك بالدعاء الذي يتجاوز لفظ اللسان لطلب القلب والاستعداد النفسي للعمل للوصول لذلك الطلب. فقد تصاحب الصبر حالة هدوء وسكون في الحركة والعمل الظاهر، ولكنَّه ليس كذلك في العقل والقلب.

 

إنّ اختيار الصبر بوعي يطور ويرقي جانب العقل والقلب لدى الإنسان، فجانب العقل يتقوى حين يبقى الذهن يقظاً يأخذ جميع المتغيرات بالاعتبار ويقرر الخيارات الأفضل، بينما يستشعر القلب ضعفه أمام الله تعالى وحاجته إليه من جانب، وقدرة الله تعالى ورحمته من جانب آخر، فالصبر الواعي ينير القلب للدعاء وسماع رسائل الله تعالى ويضيف للإنسان روحاً مختلفة للدعاء والتقرّب إلى الله، ويساهم في تحفيز القلب لسماع صوت الله في نفسه وكلّ ما يحدث حوله وأن يتيقّن أن مجريات الأحداث بعين الله، فيجمع بين السلام والرضا ويقرّبه من الصبر الجميل، فهو ليس تصنّعاُ وتكلّفاً وعملاً إضافيّاَ لكي يصبح الصبر جميلاً، بل إنّه معنى الصبر لدى الإنسان وربطه بالله تعالى هو ما يجعله صبراً جميلاً.

همچنین ببینید

هل رأيت صورة في الإعلام أدمت قلبك من قسوة ظلم البشر؟

هل رأيت صورة في الإعلام أدمت قلبك من قسوة ظلم البشر؟ حولها فورًا في ذهنك …

يقول الفيلسوف المعاصر غلامحسين دينانى

يقول الفيلسوف المعاصر غلامحسين دينانى: “مخلوق كالوردة تبقى وردة إلى يوم القيامة، ولا تستطيع أن …

تشكل اللحظات الحازمة المفتاحية مفترق

تشكل اللحظات الحازمة المفتاحية مفترق طرق يكون فيها على الإنسان الاختيار بين الشعور بالأمان وانتخاب …

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *