خانه / مناجات الحکم / سمو الأهداف…

سمو الأهداف…

سمو الأهداف…

 

لقد استخدمت كلمة “أهداف” في العقود الماضية أكثر مما استخدمت طوال التاريخ الإنساني، وانتقلت من كونها كلمة تستخدم في الجوانب الرسمية وفي المؤسسات والشركات إلى الحياة الشخصية للأفراد، وأنتج ذلك رفعاً في وعي نسبة من الناس بأهمية تحديد ما يودون تحقيقه تحت مسمى الهدف، ولكن ذلك لا يعني أن جميع من لم يستخدم كلمة هدف أو مترادفاتها لا يعرفون ما يريدون تحقيقه والأمور ليست واضحة لديهم.

 

إنّ تحديد الأهداف بالنسبة للأفراد عادة ما يكون على المستوى القصير، أي أهداف يمكن تحقيقها في زمن قصير نسبيّاً، ويرقى ليصل إلى مستويات أبعد لدى البعض الذين يطمحون للوصول إلى شيء يحتاج منهم عملاً وجهداً من خلال تحقيق أهداف أصغر، وقد يبدأ الكثيرون بتحديد أهدافٍ بعيدة المدى ولكن نسبة قليلة منهم تكون هذه الأهداف واضحة لديهم بصورة دائمة ومستمرة، وتقيس بناء عليها أعمالها اليومية وتقيمها لتتأكّد ما إذا كانت تصبّ في اتجاه تحقيق تلك الأهداف أم لا. ومع أنّ نسبة أولئك الذين يحددون لأنفسهم أهدافاً بعيدة المدى ليست كبيرة، إلا أنّها كثيراً ما ترتبط بأهداف يود صاحبها تحقيقها في الدنيا لأجل البعد من شقاء أو التقرّب من سعادة.

 

من جانب آخر، قد يندر من يعتقد بأنّه لا يعرف أين يتمنّى أن يكون حين يغادر هذه الدنيا، ولكن في الغالب لا تتعدى تلك المعرفة النظريات والأماني والأعمال المتفرّقة وغير المستدامة والتي لا يكون لها انعكاس على جميع الأعمال والأقوال، فقد يبدو للفرد بأنّ الأهداف البعيدة المدى التي يحددها تساهم في الهدف الأسمى الذي يوصله للسعادة الأبدية من خلال المرور من الطريق الذي أراد الله تعالى للإنسان أن يسلكه، ولكن في حقيقة الأمر أن الأهداف القصيرة الأمد التي يعمل عليها بشكل يومي، والتي من المفترض أن تكون هي اللبنات التي يصعد عليها لكي يصل لتلك البعيدة المدى لا تمت لذلك بصلة، فقد لا يوجد لديه مقياس يومي لكل فعل وعمل لمعرفة مدى ملاءمته مع للهدف الأسمى والطريق الموصل إليه.

 

ويستطيع الوهم أن يدخل من خلال الأهداف بحيث يرسم الإنسان لنفسه أهدافاً بعيدة المدى تتسم بالسمو والرقي، ولكنّها تبقى في الذهن كعلامة له بأنّه في نواياه ودوافعه راق وسام، وتعطيه شعوراً واهماً بأنّه يمضي في مسعاه لتحقيق ذلك مع أنّه قد يكون في اتجاه آخر تماماً. فقد يجذبه الربح والمكسب الآني الذي يحصل عليه من الأهداف القصيرة المدى، سواء كان ذلك في الجوانب المادية أو المعنوية، ثمّ ينغمس فيها بدل أن يضع قدميه عليها للصعود إلى الأعلى واختيار هدف قصير المدى آخر يوصله لأهدافٍ بعيدة المدى. فيتوسّع في ذلك الهدف الصغير ويخلق منه هدفًا كبيرًا بعيد المدى، ويبقى متقوقعاً في دائرته، وتمضي الأيام والسنون وهو في دائرة لا يرى تحقيقاً أو تطوراً مناسباً في اتجاه هدفه الأسمى، وقد يلوم الزمن والوقت والظروف، والتي هي في الواقع لا تعدو أكثر من وسائل مساعدة لبلوغ ما يريد.

 

فإن لم يكن الهدف الأسمى الذي خلق الله تعالى الإنسان من أجله حاضراً أمامه حين يضع أهدافه القصيرة والبعيدة، ويقيسها بناء على مدى ملاءمتها ومطابقتها للهدف الأسمى، فسيكون من السهل أن يوهم الإنسان نفسه بأنّه يمضي في الطريق الذي يوصله لسعادة دنياه وآخرته، ولكنّه قد يكون في وسط دائرة حلزونية تدور به حول محور نفسه وإرضائها ومتعتها الآنية، وهو يعتقد أنّه يتحرّك صعودياً، ولكنّه قد يكون في حال سقوط إلى الأسفل، أو التحرّك أفقيا في أفضل الأحوال.

 

كتب أخرى للمؤلفة

 

نحن… وأسماء الله الحسنى

أوراق خضراء على طريق السمو الإنساني

من القطرة إلى البحر

تأملات على ضفاف نهر الحياة

أخطاء الذهن

الإنسان الكوني

زهرات من بساتين القيم

التحرر من الوهم

كلام من ورد

شذرات من الجمال الكوني

 

همچنین ببینید

هل رأيت صورة في الإعلام أدمت قلبك من قسوة ظلم البشر؟

هل رأيت صورة في الإعلام أدمت قلبك من قسوة ظلم البشر؟ حولها فورًا في ذهنك …

يقول الفيلسوف المعاصر غلامحسين دينانى

يقول الفيلسوف المعاصر غلامحسين دينانى: “مخلوق كالوردة تبقى وردة إلى يوم القيامة، ولا تستطيع أن …

تشكل اللحظات الحازمة المفتاحية مفترق

تشكل اللحظات الحازمة المفتاحية مفترق طرق يكون فيها على الإنسان الاختيار بين الشعور بالأمان وانتخاب …

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *