اختلاف

اختلاف

يشارك في جلسات النقاش الجادة والعفوية والمثيرة للجدل
يعتقد أنّ وجهات نظره متسامحة متفهمة أوصلته لدرجة تقبّل الآخر لها
كيف لا، وهو يستمع للرأي المختلف حتى آخره ويرد بهدوء وبكلمات مهذّبة
فبعد أن كان يلاقي الرأي المخالف بالجدال والصراخ والتجريح،
تطوّر من خلال عبوره مراحل مختلفة
فبدأ بإطالة المدّة التي يُستفزّ فيها ويرجع لسابق عهده بالجدال
ثمّ استطاع المقاومة بحيث لا يصدر منه جدال ولا صراخ
ثم وصل لمرحلة أصبحت كلماته متّزنة خالية من الإهانة والتجريح
فهو مضى من مرحلة لأخرى بناء على نظرات إعجاب الآخرين

فكانت ردود أفعالهم كمرآة يتعرّف من خلالها على ما عليه أن يكون
فحين رأى في تلك المرآة صورة أعجاب الآخرين به تبناها واعتقد أنّه ارتقى
غافلاً عن أنّ ما قام به لا يعدو أن يكون تفنّناً لرسم ملامح تعجب الناس
وتُخفي عنهم ما يعرف هو عن نفسه جيّداً
تلك الصورة التي تعكس رغبته المكبوتة والمقموعة في الجدال والعنف
فيتحوّل ذلك الكبت والقمع لرعد وعواصف
ويشعر بالقهر حين يسمع ما لا يعجبه ويصرخ بداخله على المتكلّم
وينسب إليه في ذهنه ألفاظاً وصفات وتأويلات تُنزل من قدره ومكانته
ويتمنى لو استطاع إخماد أنفاس المتكلّم وإيلامه
أو يأتي من يرد عليه رداً يكسره
وأحياناً قد يصل به التمنّي بمحوه من الوجود

فما هو ظاهر، غالباً ما يكون أقل خطراً وضرراً مما هو مضمر في القلوب
فلن يتعمّق السلام في العالم إلا بتبني الحق في مخالفة الرأي
فبدون هذا القبول وبدون التسامح لن تستطيع أفهامنا أن تتصل ببعضها البعض
وسنكون كمن يعيشون في كواكب مختلفة لا يتواصلون إلا تخميناً
فبذلك نخفق في تطبيق أصل إنساني أساسي
بأنّ نُعلّم ونتعلّم من الاختلاف ونقوم بعملية تصحيح مسارنا وأفكارنا
وأن نُساهم في تصحيح مسار الآخرين وأفكارهم للخير والسلام.