زمزمه عـرفان مطالب تربيتي، عرفاني و اخلاقي و كتابهاي سركار خانم طاهره سادات زرگرمرادي
اكتشفت النملة رائحة سكّر،
وذهبت إلى ما بدا لها أنّه مصدر سعادتها،
فالشتاء قادم والمؤونة حاجة ملحة.
فكان في إناء زجاجي مغطى إلا من فتحة في الأعلى بدت لها مستحيلة،
فأرادت أن تصل إليها، ولكن هيهات…
فكلما صعدت انزلقت.
ورأتها زميلاتها وحاولن معها،
فالإغراء كان كبيرًا،
إذ ألوان ذلك الشيء برائحة السكّر زاهية وكميته كبيرة.
ولأنّه مغلّف ومحمي وصعب الوصول،
فلابد أن تكون له قيمة كبيرة،
فحفّزهم ذلك، وزادهم حماسًا وإصرارًا.
فقدّموا بعض التضحيات ومعه بعض الضحايا،
وتمكن بعضهم أخيرًا من الوصول.
احتفلوا معًا عند نزول أوّلهم بداخل الإناء من تلك الفتحة التي تطل على السعادة،
اقتربت واحدة فانصدمت بصلابة ذلك الطعام الذي لا يتفتت،
وأخرى برائحة المواد الحافظة والمصنّعة التي تفوق مرونتهم التي اعتادوا عليها من أكل البشر.
وبعد محاولات وخيبات…
تيقنوا جميعًا بأنّ قيمة ذلك الشئ لا تتعدّى طعم سكر في أفضل الحالات،
وبأنّه ليس بشيء متعلق بالسعادة بأي شكل من الأشكال،
ولا حتى بالمؤونة للشتاء،
فهو لم يكن سوى وهم صعب الوصول.
وأنا وأنت…
هناك لوثة قد تكون مختبئة في عقولنا توهمنا بأنّ ما هو صعب المنال هو أيضًا رفيع القيمة.
ولكنّنا نعرف ما له قيمة من خلال حديث ارواحنا،
فقد نحصل على ما نريد بعد عناء معتقدون بأنّه يحمل لنا سعادة،
وما ان نحصل عليه حتى نكتشف وهم اعتقادنا،
وبأنّّه ليس هو،
ولن يخلق منا إنسانًا أسمى.
فحصولنا عليه لم يكن يعني في حقيقته أكثر من أنّنا عملنا بجد وحصلنا على نتيجة عملنا،
ولكن تلك النتيجة ليست بالضرورة فيها سكون للنفس وانشراح للروح،
فذلك السكون والانشراح هو ما يحدد القيمة الحقيقية لما نحصل عليه،
وهو غير مرتبط بمال أو جاه أو حتى علم،
بل بقيمة إنسانية تتغلغل في عروقنا… فتظهر في أصعب مواقفنا شامخة،
وإيمان متشبث في قلوبنا… بالرغم من تكالب كل الظروف عليه لانتزاعه،
ومحبة إنسانية لخلق الله من أجل الله… أيًا كانوا.
وهذا كله لا يأتي منفصلًا،
بل هو ضمن منظومة واحدة تحت “الحياة بمعنى”،
المعنى المرتبط برسالتنا الربانية.
فنفر إلى الله من التيه والعبث إلى المعنى.
فعندها سيتمكن القلب من أن يميز ما يصب في المعنى،
ولا يزيغ للهث وراء الامتلاك،
بل يهفو للطريق المتصل بمعنى الوجود الذي خلقه خالق الوجود.🌷